لعل من أهم القضايا التاريخية التي عادت لتطرح من جديد على الساحة الجزائرية هو جيش الزوافا الذي كونته فرنسا مباشرة بعد نزولها على الشواطئ الجزائرية وإستعملته لاحقا لاحتلال مدن ومناطق الجزائر الكثيرة التي قاومتها كالعاصمة ودالي براهيم والمدية ووهران وتيارت وقسنطينة ، وقمعت به عدة ثورات داخلية كثورة الحاج أحمد باي في قسنطينة ومقاومة الأمير عبد القادر وأولاد سيدي الشيخ بالغرب الجزائري وثورة الزعاطشة في الجنوب وثورة الشرفاء الرحمانيين بجبال جرجرة وغيرها من المقاومات الشعبية .
كتائب الزواف في عرض عسكري ( الصورة التاريخية تظهر اللباس الرسمي الذي اشتهروا به)
طالع ايضا : من أين جاء الزّواف؟ ما هو موطنهم الأصلي؟ و ما هي ديانتهم؟ و هل فرنسا كانت على دراية بهم؟
فمن هم الزواف ؟
ولماذا خانت مجموعة كبيرة من الجزائريين
وطنهم وانضمت لهذا الجيش من المرتزقة ؟
ما هي الظروف الاجتماعية والسياسية
التي كانت سائدة في تلك الفترة ؟
لماذا فشلت فرنسا في إحتلال الجزائر في المرات السابقة
ونجحت حينما استعملت هذا الجيش من المرتزقة الجزائريين المحليين ( جيش الزوافا ) ؟
الأغلبية الساحقة من الجزائريين, يعتقدون أن الجيش الفرنسي هو الذي قام بمفرده باحتلال الجزائر, إلا أن الحقيقة أبعد من ذللك، تشير جميع المصادر الفرنسية المؤرخة للفترة الأولى لإستعمار الجزائر, الى الدور الكبير والجبار الذي قام به جيش آخر محلي , من أبناء البلد الأصليين يدعى “جيش الزواف” , المتحالف مع الجيش الفرنسي في إحتلال و إخضاع مختلف مدن ومناطق الجزائر لفرنسا, وفي ارتكاب فضائع الإبادة الجماعية والتصفية العرقية وفي بناء الجزائر الفرنسية.
“كتائب الزوافا في مقدمة الجيش الفرنسي باحتلال الجزائر في سنة 1830” .
– وعلى عكس الرأي السائد عند البعض , فإن فرنسا لم تستطع إحتلال الجزائر , إلا بإنضمام جزء من سكان الجزائر في صفوف جيش فرنسا المحتل ، (في عملية تشبه ما قام به الأمريكان من تجنيد للشيعة والأكراد العراقيين لمساعدتهم في إحتلالهم للعراق سنة 2003) ، فكان أول من انضم للجيش الاستعماري الفرنسي من الجزائريين, هم ما يعرف تاريخيا بجيش الزواف (الزوافة)، وهي سياسية صرح بها الكثير من الساسة الفرنسيين , منهم :
فمن هم الزواف ؟
وماذا تعني هذه الكلمة ?، ومتى شكلت فرنسا هذا الجيش المحلي الموازي لجيشها ؟
وكيف استطاعت فرنسا تجنيد جيش كامل? مكون في بدايته “من أكثر من 15 ألف جندي مرتزق” من المرتزقة المحليين في الجيش الذي سماه الفرنسيون اختصارا بـ : “الزواف” ؟
من هم الزواف الأوائل ؟
وماذا تعني هذه الكلمة ؟
وكم كان عدد جيشهم؟
——————-
حسب الأرشيف الفرنسي (شاهد الصورة) , فإن جيش الزوافا قد تشكل رسميا بتاريخ “15 أوت 1830” , أي بعد شهر واحد فقط من سقوط العاصمة الجزائرية بيد الفرنسيين, فهو يعتبر بذلك أول جيش من المرتزقة (الخونة ) الجزائريين, الذين باعوا ذمتهم للمحتل الفرنسي , وخانوا الجزائر ،وكان جيش المرتزقة مكونا في بدايته من 2000 من الجنود , ينحدرون من من “قبيلة زواوة” , تحت قيادة ( الحاج عبد الرحمان هني, و كلونال يوسف ) , ثم اتسع عددهم ليصل إلى 15 ألف جندي, ينحدرون جُلهم من قبيلة الزواوة , المنتشرة في تيزي وزو , ومن إسم هذه القبيلة أشتقت تسمية هذا الجيش المحلي ( زوافا = زواوا ).
“من الأرشيف الفرنسي / عملة تجنيد الزوافا تمت بعد أول شهر من احتلال الجزائر”
أما عن أصل التسمية فتذكر جميع المصادر الفرنسية , بأنها كلمة مشتقة من إسم قبيلة زواوة , في منطقة القبائل ( كانت منتشرة في بعض مناطق تيزي وزو ) .
( قبيلة زواوة وتنطق أيضا زواغة : التسمية القديمة لسكان منطقة القبائل ).
————————————————————-
وهذا ما أكده المؤرخ واللساني القبايلي “بوليفة عمار أوسعيد”.
Au point de vue linguistique, le terme Zouave n’est d’ailleurs qu’une altération du mot Zouaoua dont les modifications vocaliques et orthographiques effectuées tant par les Arabes que par les Français se présentent de la façon suivante : Zouav = Zouaou = Zouaoua, pluriel de Zouaoui = Gaouaoui = Agaoua, nom ethnique spécial qui désigne l’habitant du Djurdjura.
Boulifa, Ammar ou Saïd : Le Djurdjura à travers l’histoire, J. Bringau (Alger), 1925,
page 295.
وعن نشأة جيش الزوافا في الجزائر, كتبت أستاذة العلوم الإنسانية في جامعة باتنة “الدكتورة ليلى تيتة ” :
- لقد بدأ التفكير في الاستفادة من خدمات هاته القوات, المكونة من السكان المحليين في عهد الماريشال “دي بورمون ” , في نهاية أوت 1830, إذ كتب إلى وزير الحرب بسماعه بسقوط الملكية , والملك شارل العاشر, يقول بأنه قد تلقى الوعد بخدمات” 2000 فرد” من الزواوة (قبايل)، 500 منهم هم الآن في الجزائر. غير أنه ترك أمر الإستفادة من خدمات هؤلاء, إضافة إلى خدمات “120 شخص” , كانوا تحت تصرف “يوسف المملوك “إلى خليفته “كلوزيل” , حسب ما ذهبت إليه جل المصادر , في 01 أكتوبر 1830 إذ ألف هذا الأخير من الزواوة , والذين أصبحوا يعرفون حسب التعبير الفرنسي بالزواف , قوة (عسكرية) تميزت بارتدائها اللون الأحمر , تحت إمرة قائد عسكري بسترة زرقاء. شارك الزواف المشاة في الهجوم (احتلال) على منطقة باي التيطري (المدية) , بعدما شكل منهم “كلوزيل” فوجين( 02 فوج ) ، كما شكل منهم في 08 أكتوبر 1830 , فوجا ثالثا من الزواف الخيالة, هذه المرة شاركوا في المعارك التوسعية لفرنسا , بالممر الجبلي لموزاية في 21 نوفمبر 1830 .أطلق على المشاة والخيالة بعدها بموجب قانون 09 مارس 1831 , وقد أعتبر هذا الفيلق أول “هيكل عسكري” , ” Les chasseurs algériens ” الذي ألحق به في 21 مارس 1831, إسم قناصة الجزائر مكون من أهالي (زواوة)، أوكلت مهمة تسييره إلى فرنسي برتبة عقيد. شارك هذا الهيكل في المعركة الثانية بموزاية في 03 جويلية 1831 ، والحملة على بونة(احتلال عنابة) في 27 مارس1830.
د. ليلى تيتة ( تطور البنية الإجتماعية للمجتمع الجزائري خلال القرن التاسع عشر ، مجلة العلوم الإنسانية والإجتماعية ، كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية والعلوم الإسلامية جامعة الحاج لخضر باتنة عدد 17 ديسمبر 2014).
وهو ما يؤكده شيخ المؤرخين الجزائريين , الدكتور “بلقاسم سعد الله” , رحمه الله .
فيقول عن نشأتهم , والدور الذي لعبوه في احتلال فرنسا للمدن الثائرة :
“لولا تعاون بعض المرتزقة(الخونة) , من الجزائريين مع الجيش الاستعماري والادارة, لما نجح الفرنسيون وحدهم في الاحتلال … أنشأ “الجنرال الفرنسي كلوزيل” فرقة مشاة من بعض المرتزقة الجزائريين , سماها “فرقة الزواف ” , وذلك في 1 أكتوبر 1830, وكان الهدف من وراء هذه الفرقة هو التخفيف على فرنسا , من المصاريف العسكرية واستعمال تلك الفرق في الاستيلاء على مدن جزائرية أخرى … تقول روايات الفرنسيين أن “بورمون” , هو الذي فكر في انشاء قوة عسكرية محلية ابتداءا من أوت 1830, ولكنه ترك تنفيذ الفكرة لخليفته ” كلوزيل” , فقد ادعى بورمون أن التقارير أتبتت له صلاحية سكان الجبال الجزائرية للخدمة العسكرية الجيدة, وأنه تأكد لديه أن حكام الجزائر وتونس كانوا يؤلفون منهم قوة ناجحة, باسم الزواوة وهو الاسم الذي أصبح عند الفرنسيين الزواف .. وقد جعلوا لهذه الفرق لباسا متميزا معضمه في اللون الأحمر.”
الدكتور بلقاسم سعد الله : الحركة الوطنية الجزائرية ، صفحات 8- 37 – 64.
لماذا انضم الزواف إلى فرنسا وخانوا المدن الجزائرية الثائرة ؟
إستغرب كثير من المؤرخين ، كيف إستطاع الفرنسيون تجنيد هؤلاء الزوافا ( الذين هم في الأصل جزء من الجزائريين ) في صفوهم , وجعلوهم يقاتلون باقي إخوانهم الجزائريين , بل والتنكيل بهم وإرتكاب إبادات جماعية ومساعدة فرنسا في إحتلال باقي مناطق الجزائر ؟
حاول البعض الإجابة عن هذا السؤال, بالقول أن فرنسا إستغلت حالة العداء , التي كانت بين “إمارة كوكو “في منطقة قبايل, وهي “إمارة شبه مستقلة” ، مع الكراغلة ( مصطلح يطلق على الجزائريين ذو الأصول العثمانية ) , و السلطة التركية العثمانية التي كانت تحكم الجزائر ، وهو عداء تاريخي كان قائما على النفوذ والسلطة , في منطقة زواوة ( القبائل اليوم ) ، ولكن الحقيقة هي أن السلطة العثمانية هي أول من شكل النواة الأولى لما عرف في عهد الاستعمار الفرنسي بالزواف ، فالأتراك هم من أنشؤوها ودربوها , وكانوا يخوضون بهم حروبا بالوكالة ، فكتائب الزواف كانت موجودة في عهد الأتراك قبل قدوم الفرنسيين, بشكل آخر والفرنسييون هم من قاموا بتحويلها إلى نخبة عسكرية لاحتلال باقي مناطق الجزائر ، كانت النواة الأولى من الزواف قد تشكلت بأمر من الحكام العثمانيين للجزائر , وأوكلت لهم السلطات العثمانية مهمة جمع الضرائب, وجباية المكوس داخل اقليمهم أي داخل قبيلة (زواوة – زواغا) , وهي سياسية كانت تتبعها الدولة العثمانية في تسيير شؤون مختلف القبائل الجزائرية (عربية أو بربرية ), مع اختلاف بسيط وهو أن الأتراك استعملوا الزواف في حروبهم خارج الجزائر , يشهد بذلك الوثائق الإسبانية في احتلال تونس حيث لاحظ الاسبان تواجد الزواف مع الأتراك.
لاحظ الفرنسيون وجود هذا التشكيل, فحاولوا استغلاله وإعطائه بُعد عسكري , لاستعماله لاحقا إحتلال الجزائر , و في بسط نفوذهم على باقي المناطق الجزائرية, (أي استعماله خارج منطقة زواوة) ، وقد تواصلوا سرا مع قائدين مهمين للزواف , وكان ذلك قبل احتلال الجزائر من خلال لقاءات سرية , تمت بين الفرنسيين وشيوخ الزواف ، كان فيها ممثل الزواف كل من ( “الحاج عبد الرحمان هني” , شيخ قبيلة زواوة و “كلونال يوسف” رئيس كتبية الزواف العثمانية ), في مقر القنصيلة الفرنسية في تونس , وعرضا خدمتهما على الفرنسيين, ( واتفقوا على خيانتهم للأتراك, إذا ما قررت فرنسا احتلال الجزائر ) , وجرت بينهما معاهدة تم بموجبها التعهد بإمداد فرنسا بدفعة أولى مقدارها “2000 مقاتل”, من قبيلة زواوة البربرية , شرق الجزائر العاصمة, و وصلت أول دفعة في شهر أوت (شهر واحد بعد احتلال العاصمة ) , و انضمت لاحقا دفعات اخرى استنادا , على الاتفاقية الموقعة بين فرنسا, والشيخ عبد الرحمان هني الزواوي , شيخ قبيلة زواوة البربرية في تيزي وزو .
ثم بعد احتلال الجزائر , قررت فرنسا تنظيمهم في “جيش رديف” بتنظيم عسكري حديث , خصوصا بعد خدماتهم العسكرية التي يصفهما الفرنسيون بالرائعة, ولولاها لما استطاعت فرنسا احتلال مدن متيجة ( البليدة العفرون موزاية بوفاريك ) , ومدن التيطيري ( المدية ) , وبعد ما شاهده الجنرال الفرنسي “كلوزيل” في معركته ضد “باي التيطري” التي ساعده فيها الزواف ، فقرر التركيز عليهم وتنظيمهم عسكريا, بعقيدة فرنسية فأمر عليهم كلونولات فرنسيين, وجعل لهم لباس موحد وهو الأمر الذي نُفذ حرفيا ، ففي “31 مار س 1831” قامت السلطات الفرنسية بإعادة هيكلة الزوافا الزواويين, في فيلقين كبيرين بعد تأهيلهم حربيا ونفسيا, من طرف الضباط الفرنسيين على عقيدة عسكرية, لإستعمار باقي مناطق الجزائر وتخليصها من الحكم العثماني, بإسم السلطة الجديدة ( السلطة الفرنسية ).
كماا شكلت منهم “جيش ثالث ” , كانت سمعته سيئة هو الأخر ، سمته بـ ( الصيادون الجزائريون ) , الذي عرف لاحقا ( بالصيادون الافارقة ), وهو ميليشيا عسكرية جديدة, استعملتها فرنسا في حروبها داخل وخارج الجزائر ( وهي ميليشية مكونة أساسا من الزواف ).
ويتحدث الأمير الفرنسي “نيكولا بيبسكو” سنة 1864 في هذا الخصوص :
” لدينا الحق في القول بأن القبايل (قاصدا الزواف) , هم أفضل من ساعدنا في تأثيرنا الأخلاقي، السياسي، التجاري، والجنود الأكثر وفاءا لسيطرتنا…”.
“on aura le droit de se dire que les Kabyles nous promettent à la fois de meilleurs pionniers pour notre influence morale, politique, commerciale, et ,de plus fidèles soldats “pour notre domination
بينما أضاف المستشرق الفرنسي (لوريال جليوس) , سببا آخر وضح فيه كيف إستطاعت فرنسا إقناع آلاف الزواوة الزواف بمغادرة جبالهم في منطقة جرجرة, ( منطقة القبايل ) لمساعدتها في إستعمار باقي مدن وأنحاء الجزائر ، باللعب على الأسباب الإقتصادية فيقول في كتابه “قبائل جرجرة” :
” من المؤكد وجود الكثير من القبايل , الذين لا يطلبون أكثر من القدوم خارج جبالهم، زراعة الاراضي التي نمنحها أو نبيعها لهم : بداية سيجدون هذه الإستفادة الضخمة بالعمل لصالحهم, عوض أن يعملو لصالح متحكم أجنبي(يقصد العثمانيون) ، بالمقابل القبايل يصبحون وسيلة الإستعمار الممتازة, التي يجب علينا إستعمالها لنجعل من الجزائر فرنسا حقيقية. لن نتراجع عما قيل عن هذا الموضوع في الكتاب السابق ، أملنا الوحيد سيكون رؤية هذا المشروع محل تجسيد، القبايلي ينال كل السمو والربح وفرنسا ستحل مشكلا , يفرض يوما بعد يوم بشكل وشيك : الاستعمار الفعال للجزائر”.
Il est certain que l’on trouverait une grande quantité de Kabyles qui ne demanderaient pas mieux. que de venir en dehors de leurs montagnes cultiver des terres que nous leur concéderions ou que nous leurs vendrions: tout d’abord ils trouveraient cet immense avantage de travailler pour eux, au lieu de travailler pour un maitre, un étranger. En outre, les Kabyles seraient l’élément colonisateur par excellence que nous devrions employer pour faire de l’Algérie une véritable France. Nous ne revenons pas sur ce qui a été dit à ce sujet dans le livre précédent notre seul désir serait de voir ce projet faire l’objet d’une tentative. Le Kabyle tirerait tout honneur et profit, et la France aurait résolu un problème qui s’impose de jour en jour d’une façon plus imminente : la colonisation effective de l’Algérie.
Liorel, Jules, Races berbères :Kabylie du Jurjura, E. Leroux (Paris) 1892, page 543-544
وهو نفس السبب الذي ذكره المؤرخ الفرنسي (إيليسي ريكليوس), فيقول أن فرنسا جشعت سكان القرى القبايلية , للانضمام الى جيش الزواف واحتلال المدن والمناطق الجزائرية معها ، مقابل أن تعطيهم اقطاعات في تلك المناطق الجديدة ( اراضي خصبة ) ، وهو ما تم حرفيا ، فقد كانت فرنسا تعطي هؤلاء القبايل الجبليين, المنضمين لجيشها الحليف ( الزواف) , أراضي في المناطق الخصبة , من شلف وشرشال وسطيف وحتى أقصى الغرب في نواحي تلمسان ، جاء في مجلة ”الجغرافيا الحديثة” الصادرة عام 1892 في باريس ما نصه :
“علاوة على ذلك فانه يلاحظ من خلال عدة امثلة, بأن القبايل أصبحوا يهاجرون ويتركون جبالهم, من اجل انشاء اقامات دائمة خارجها كلما أتيحت لهم الفرص. حدث ذلك في شرشال والشلف وسطيف , منذ الأيام الاولى للحرب.بعد ذلك أقيمت تجربة إستعمارية قرب بني منصور (بجاية), أين أنشأت عدة قرى لبني يعلى(الجبليين )، ومؤخرا قرب قرية نمورس على بعد بضع كيلومترات من مدينة ندرومة, التي تشكل مركزا بربريا مهما ، الاراضي التي هجرتها القبائل العربية, إلى المغرب الاقصى شغلتها أسراب القبايل فورا !”
إيليسي ريكليوس : الجغرافيا الحديثة الطبعة 6 الصفحة 536
D’ailleurs, on sait par de nombreux exemples que les Kabyles émigrent volontiers pour créer des établissements définitifs hors de leurs montagnes,quand ils trouvent des occasions favorables. On en cite à Cherchell, à Orléans-ville, à Aumale, qui remontent aux premiers temps de la pacification. Plus fard, un essai de colonisation a été fait près de Beni-Mansour où l’on a installé plusieurs villages de Beni-Yala. Enfin, plus récemment, près de Nemours, à quelques Kilomètres de la ville de Nedroma qui forme
un important centre berbère, les terres abandonnées par des tribus arabes émigrées au Maroc, ont été immédiatement occupées par des essaims de Kabyles …
ELISÉE RECLUS, Nouvelle Géographie Universelle.
T. XI., p. 536
ما هي المهام التي قام بها هذا الجيش ( زواف ) ؟
لخص المؤرخ الفرنسي “هنري أوكابيتان” ، المهام المنوطة بالزواف في كتابه الشهير ( القبايل و إحتلال الجزائر ) , وهو كتاب خطير , يوضح فيه كيف تمكنت فرنسا من إستعمال فئة من الشعب الجزائري ( القبايل) , لاحتلال الجزائر ككل …
فتمثلت مهام الزوافا الأساسية, في مساندة القوات الفرنسية , في احتلال باقي المناطق الجزائرية , الرافضة للسلطة الفرنسية ، فكانت أول إنجازات جيش الزوافا المحليين , تتمثل في إسقاط “مدينة دالي براهيم”, حيث كان كراغلة العاصمة (الجزائريون ذو الأصول العثمانية ) يتمركزون ويتحصنون ، وقد كانت المدينة المتحصنة في أعالي العاصمة, والرافضة للإستعمار الفرنسي ، فقام الزواف بإبادة شنيعة لسكانها.
الزواف واحتلال العاصمة
les zouaves et la colonisation de la capitale algérienne
لوحة تاريخية رُسمت عام 1835 , لميليشيات الزواف وهي تمشط في أحياء العاصمة , بحثا عن الرافضين للتواجد الفرنسي للنّيل منهم وقتلهم خدمة للمستعمر الفرنسي .
ثم توجه جزء منهم إلى مدينة المدية, لمواجهة عائلات الكراغلة مجددا ( مصطلح يطلق على كل من جاء مع العثمانيين الأتراك, طيلة 3 قرون من الحكم العثماني للجزائر, وقد كانوا يمثلون نسبة كبيرة من سكان مدينة المدية ) , وأحدثوا مقتلة كبيرة فيهم ومحرقة رهيبة في سهلهم, ثم توجه هذا الجيش بأمر من الفرنسيين إلى مدينة مليانة المتمردة ، فواجه سكانها وأحدث فيهم مقتلة عظيمة, وضمها إلى السيادة الفرنسية ثم توجه إلى جبل الونشريس , وضمه بعد أن أحرق جميع القرى التي في سفوحه وحاصر سكانه في الجبال , حتى استسلموا جوعا وموتا , كل هذا بعد 3 سنوات فقط من إنشائه! وساعد الزوافا الفرنسيين في احتلال مناطق سطيف, وبرج بوغرريج وقسنطينة وعنابة , وغيرها من المدن الجزائرية .،كما شاركوا في احتلال مدينة تونس خارج الجزائر (شاهد الصورة من الارشيف الفرنسي ).
“عدد الزوافا الزواوا ومساعدتهم الفرنسيين في احتلال المدن الجزائرية والتونسية”
وبعد غزوه لجبال الشريعة (البليدة والمدية ) , وسفوحها وجبال الونشريس وسفوحها ، أوكل الفرنسيون لجيش الزوافا مهمة جديدة, تتمثل في “قمع ثورة الأميرعبد القادر ” , التي كانت رقعتها تتسع يوما بعد يوم ، وهو ما تم بالفعل ، فكانوا في الصفوف الأولى لجيوش الفرنسيين, وكانت “معركة تيارت بداية سنة 1834” , أول معركة مباشرة يخوضها جيش الأمير مع هذا الجيش من المرتزقة الجزائريين, الذين خانوا العهد وانضموا لفرنسا ، أما قبل هذه المعركة فقد إستولى الزوافا على حامية عسكرية, على تلة في سفوح الونشريس, كان قد وضعها الأمير عبد القادر كمركز رباط ، رابط بها المسلمون كخط دفاع أولي ينذر بسقوط عاصمة دار الإسلام “زمالة تيارت” , قبل انتقالها , بسقوطها ولما وصل إليها جيش الزوافا , أخذها في لمح البصر, وهجم على العاصمة , وأحدثت بقراها التي استبسلت دفاعا عنها , مقتلة عظيمة لم يسبق لها مثيل ونهب ما فيها من مؤونة .
“زواف قبايل تحت خيمهم”
كانت خطة الأمير تقتضي بالحفاظ على دار الإسلام , فقام بنقل عاصمته وأنشأ معسكر(أم-عسكر) , ولما دخل جيش الزوافا إلى تيارت لم يجد شيئا , فعجز عن مواصلة المسير إلى عمق الصحراء, فانسحب حاميا ظهره ب”معاهدة ديميشال” , ماضيا إلى جبال الظهرة شمالا من ناحية وادي الشلف, أين أسس هذا الجيش ( زوافا ) أول قاعدة برية له, خارج العاصمة وكانت مدينة متنقلة, اثارها لا تزال موجودة إلى حد اليوم وتسمى “زنقة زواوة”.
وقد تكلم الأديب الجزائري “واسيني الأعرج” عن الزواف واحتلالهم لمدينة معسكر , وما فعلوه بأهلهها , في روايته ” مسالك الخيبة صفحة 5-8″ .
هذا مقتطف مما قاله : ( عندما اقتحمت أولى طلائع “كلوزيل” المدينة الخالية من السكان, يتقدمها الزواف بسيوفهم وبنادقهم الطويلة ، كانت معسكر قد أخليت عن آخرها حتى من قططها وكلابها , التي اعتادت أن تملأ شوارعها في أوقات القيلولة صيفا , أو الزوايا والأماكن الخالية شتاءا . احتلت الفيالق الأولى البيوتات التي بقيت واقفة , أو بها بعض الأغطية لتفادي قسوة البرد والأمطار والثلوج, التي كانت تخترق العظام كالإبر . لاحظ “الجنرال كلوزيل” وضباطه الحالة التي كانت توجد عليها المدينة, فحاولا أن يرتبوا أمورهم في انتظار الصباح, الذي لم تبق له إلا بعض الساعات .في الفجر الأول عندما استيقظ “القبطان شونقارنييه” بعد اغفاءة خفيفة ، وبدأ يعبر الشوارع التي كستها أغلفة بيضاء من المطر ، اكتشف فجأة أمامه مدينة منكسرة عن آخرها . أهم ما بقي فيها واقفا ، مسجدها الموريسكي الذي قضت فيه إحدى كتائبه ليلتها الأولى في المدينة الخالية ، والبيوتات الأندلسية القديمة , التي نجت من النار إذ بقيت بزرابيها ولم يتجرأ أحد على نهبها أو إخلائها , من أغطيتها . واكتشف ما دمرته “فلول الزواف” الذين كانوا أول من دخل المدينة , من ناحية المقبرة ، فكسرت كل المنحوتات الرخامية ذات الأحجام المتنوعة الكثيرة التي على الشواهد أو على القبور .)
وبعد سنة كاملة من التجهيز , نقض الفرنسيون “معاهدة دي ميشال” , وسيروا جيشا خليطا من الفرنسيين و الزوافا وبدؤوا بالهجوم على قرى الظهرة ( شمال غليزان وشرق مستغانم ) , فمضوا يسقطونها الواحدة تلو الأخرى, حتى وصلوا إلى “مدينة مستغانم” مركز قبيلة “مجاهر” , أين أقاموا أول سجن لهم وكانوا يأخذون الأطفال والنساء أسرى, ليجبروا رجالهم على التخلي عن المشاركة مع الأمير في صد غزوهم ، محرقين كل ما وقعت عليه أيديهم !
وفي سنة 1837 ، وفي ظل انتصارات هذا الجيش الموازي للفرنسيين والمساند لهم ( جيش الزوافا ) تشكل جيش من شباب القبائل العربية, في الغرب الجزائري, والكثير من الأندلسيين سكان المدن , و الكراغلة العثمانيين, الفارين من المدية ، حيث وحدوا صفوفهم وواجهوا جيش الزواف, في “واد التافنة” فأحدثوا فيهم هزيمة منكرة, اضطرت فرنسا بعدها أن تتحايل على الأمير بطلب الصلح فكانت “معاهدة التافنة” ، إلا أن فرنسا عادت ونقضت العهد مجددا خصوصا بعد ظهور ملامح دولة الأمير المنتشبة بانتصاراتها على الفرنسيين, وحلفائهم الزوافا ، وهي الدولة التي أسسها الأمير بمساندة حلفائه من القبائل العربية والاندلسيين والكراغلة, في مواجهة الفرنسيين وحلفائهم الزوافا ، فبدأت فرنسا إبتداءا من سنة 1838, بعد أن نقضت عهودها , سياسة جيديدة قائمة على حرق الأخضر واليابس, في المنطقة (الأرض المحروقة ) , متسببة بمجاعة مست أكثر من 500 ألف بشر , من سكان الوسط والغرب الجزائري , وهو سبب أساسي أدى لضعف دولة الأمير بمواجهة الفرنسيين وحلفائهم جيش الزوافا.
وفي هذا الصدد يذكر المؤرخ العسكري للجيش الفرنسي” آبي لير” , شهادة للقائد العام لجيوش الاحتلال “الجنرال ديكر ” اجابته عن السؤال :
لماذا اختار الامير عبد القادر منطقة الغرب الجزائري لاشعال ثورته ضد فرنسا وعملائها من الزواف?!!!
Source Abd-el-Kader nos soldats, nos généraux, les guerres d’Afrique, 1865. ABBÉ Loyer
الزواف واحتلالهم لـ مدن: “المدية و البليدة وموزاية والشفة وشرشال والعفرون”
—————————————–
لولا الزواف لما استطاعت فرنسا احتلال مدن البليدة, وشرشال والعفرون مليانة وموزاية والمدية , وهذا باعتراف جل مؤرخين الفرنسيين بالدور الكبير والجبار الذي قامت به “كتائب الزواف المحلية” , في مواجهة قوات الامير المدافعة عن هذه المدن الداخلية .
جاء في كتاب :
“زوافنا , تأريخ , تنظيمات, أحداث سلاح, فرق عسكرية, حياة حميمية”. لمؤلفه المؤرخ الفرنسي “لورونسان بول”
ما يلي :
“””
بعد سقوط قسنطينة؛ “المدينة المقدسة”؛ … و فيما يخص حرب المناوشات و التفاصيل و الغارات, و قمع و اخماد التمرد و العصيان بين سنوات “1837 و 1840” , فقد تحملها الزواف وحدهم و التي لم تتوقف للحظة واحدة…لكن ابتداءً من سنة 1840؛ فإن الحرب الشاملة استأنفت بأكثر نشاط و اكثر حدة مما كانت عليه في الماضي؛ كانت تقاد من جهة العرب؛ من طرف قائد سيصبح سريعا مشهورا، بسبب تاثير قوة الدفع لهذه الشخصية؛ وهو “الامير عبد القادر” , والذي كان العرب كما القبائل يحبونه, و يمجدونه كما لو انه قديس .. هذا الرجل الذي يكرهنا؛ كان قد عرف كيف ينظم على الطريقة الاوروبية المقاتلين العرب , المعاندين لكل انضباط؛ و كون منهم فرق قوات عسكرية مشاة تقريبا منتظمة؛ والذين و لأجل هذا سميناهم المنتظمون من جيش عبد القادر , كما ان لون برانيسهم اعطت اسم الحمر لهؤلاء الفرسان.
في مارس 1840: الزواف سيطروا على شرشال, و كان فورا لزاما عليهم الدفاع ضد الهجمات المتواصلة لعبد القادر , الذي لا يكل.مهما كان مع ذلك حيوية هذه الهجمات ؛ فان العدو(يقصد الامير عبد القادر وجيشه ) , واجه هذا الخصم (يقصد الزواف ) في كل مكان , و تعلم التعرف عليه و الرهبة منه؛ والذي يبدوا ان مجيئه الى ساحة المعركة يتضاعف و كان سريعا, و غير متوقع؛ كما كان ذلك في “العفرون” ؛ في حواشي و حواف” الشفة” في 20 ماي 1840؛ وصل الزواف مرة اخرى الى ثنية “موزاية” ؛ هذه المرة لم تكن بتاتا انحناءت يجب تسلقها ؛ ولكن ما كان يجب مجابهته و ازالة اعتداءاته , هي معاقل انشئت و يدافع عنها من طرف قدماء الزواف بالطرق الاوروبية . البناء الأول استولي عليه و الثاني عرف لتوه نفس المصير؛ و ذلك بالرغم من المقاومة المنظمة بذكاء وبراعة؛ حينما وصل “لامورسيار” و جنوده الزواف , الى مدخل الحلق الذي كانت تعلوه حجارة عالية مقطعة عموديا. من قمتها كان المنتظمون (التسمية التي كان يطلقها الفرنسيوع على العرب جنود الامير) , يجعلون الرصاص الغزير يتهاطل علي جنوده , و يدحرجون عليهم جلاميد صخر مهولة . الرجال الاكثر شجاعة كان بإمكانهم التراجع؛ و لكن التراجع او حتى التردد؛ كان سيعرض الرتل الذي يشكل فيه الزواف خط الحماية الاول, الى خطر كارثة كاملة. “لامورسيار” وضع السيف في يده؛ وبالصوت كما بالمثل (القدوة)؛ يلهب و يثير حماسة جنوده. الحماسة التي تحركه و تشعله تنتقل الى الزواف. فيضعون بنادقهم في حمالاتها ثم بأرجلهم؛ بأظافرهم و بأسنانهم يتسلقون الحجارة دون التفات الى الخلف و دون ان يعيروا اهتماما للهاوية التي تحفر من تحتهم و دون النظر الى من تخلى او ضرب برصاصة؛ يقفزون من نقطة الى نقطة و من رأس الى رأس , لكي يسقطوا صرعى في قاع الجرف. كثير منهم كانوا ضحايا لجرأتهم؛ ولكن عدد لا باس به وصل الى القمة لكي يندفع و يسقط العدو الذي اصيب برعب خرافي..
هل يجب ان نندهش من افعال بطولية كهذه حين يكون النقباء (نقيب), الذين يقودون الزواف يسمون “رونو”؛ “لادميرو”؛ “لوفلو”؛ “بلاز”؛ “دو بارال”؛ …الخ.؟ في لحظة الهجوم على احد المعاقل؛ اصيب النقيب” قوثران” في يده وبترت و هو مازال باقي على رأس سريته… المعاون ( adjudant ) , الشاب” جيوفانلي” يتلقى قرار ترقيته الى ملازم ثاني (sous-lieutenant) , وعقيده يكلفه بترأس فصيلة. كان يلهب الحماس في جيشه بإعطائه المثل و يقضي (يموت) بشجاعة في موزاية. في نفس اليوم الموالي لهذه المعركة التي نقلت جيدا بريشة الرسام “بيلونجي” , بدأت تحت حماية كتيبة من الزواف ؛ طريق المدية التي كانت يجب ان تقود الارتال الفرنسية الى قلب الأرض الجبلية.
عندما كانت أرتال جيشنا (الجيش الفرنسي )تتقدم من جهة الساحل باتجاه الداخل؛ كان الزواف دوما هم الذين يشقون لهم الطريق. دون توقف عن الحملات؛ كانوا يسددون من حياتهم ثمن كل شبر ارض يضم الى فرنسا. خلال اول مهمة للتزود بالمؤونة من “مليانة “؛ كان لزاما على الف من الزواف ان يحاربوا اربعة الاف من المنتظمين العرب ( أتباع عبد القادر ), والف و خمس مئة من الفرسان. كانوا يكافحون دون فشل او خطا ؛ و لكنهم خسروا ثلاثة و تسعون رجل بين ضابط و جندي. و في حملة او رحلة اخرى نحو نفس المدينة كبدتهم اربعة و ستون قتيل و جريح.
كان هؤلاء الزواف يحسنون دوما ايجاد الماء البارد و الطعام اللازم , لهم في عمق الصحراء؛ و ايجاد المخازن و الاكواخ اين يخبئ العرب حبوبهم و طيورهم الداجنة؛ يحسنون ايجاد جرار (جرة) زيوتهم و كسرتهم و كسكسهم .. كان المنتظمون العرب؛ يعمد ببعضهم بالمهارة و الحيلة ليخفي نفسه او افراد عائلته منا ومن جيوشنا , و لكنه كان دائما متأخرا على زوافنا من حيث البراعة؛ المراوغة و الاناقة و السعادة .
هذه الغنائم؛ يقسمها الزوافي بأخوة على اخوته في السلاح الاقل منه حذاقة, او الاقل سعادة ؛هذا التعارف الفريد الذي يقوم به الزواف فيما بينهم , و هم يرتدون تلك الجيوب المنتفخة لسراويلهم القصيرة غلى الطريقة التركية كمخابئ عميقة المغلقة بعيون…
في شهر افريل 1841: كان الأمر اعطي للزواف لمغادرة المدية , و الذين كانوا يشكلون جزءا من حاميتها منذ شهر ديسمبر الماضي, وذلك للمشاركة في رتل في حملة عسكرية ضد قوات “الامير عبد القادر” التي كانت في “البليدة” ، وحينما اعلنت الطبال و الابواق مجيئ الحاكم العام. الذي سلم قوات الزواف العلم العسكري , و الذي كان السنة الماضية وبعد صفقة ممتازة (معركة), في “حلق موزاية” , وعدهم به “دوق اورليون”؛ كشهادة و اعتراف على شجاعتهم الاستثنائية .”هذا العلم؛ كما قال “الجينرال بيجو” للزواف لابد ان يكون لهم مكافاة على الاحد عشرة سنة ( 11 سنة ) من المعارك, و المعاناة؛ على تجسيد الوطن؛ يكون لهم كبرج اجراس المدينة و كتميمة النصر”.
بالنسبة للزواف؛ استلامهم للعلم لم يكن فقط كمكافاة و وفاء بعهد ملكي؛ بل هو كان بتعبير اخر اعتراف (فرنسي ), رسمي بهم ؛ هم الذين كنا نعتبرهم الى غاية ذلك اليوم كجيش مؤقت سيختفي باختفاء اسباب و ظروف خلقه. بعض الشخصيات (الفرنسية )الحربية في مناصب عليا لم يكونوا بعيدين على اعتبارهم كـأبناء ضالين؛ اذ لم يكونوا يمثلون أصلا خطأ غريبا و شاذا؛…؛ بالنسبة للمكاتب؛ فان جيش الزواف يمثل قضية عارضة و مؤقتة؛ و ليس جيشا مصنفا تصنيفا نهائيا في تسميات الاطراف, المؤثرة الفاعلة النظامية. هذا التفكير كان ربما هو نفسه الذي يحمله مؤسس الزواف؛ “الجنيرال كلوزال” ؛ و لكن منذ تأسيسهم الزواف و بشجاعتهم و انضباطهم و اخلاصهم لوطنهم (فرنسا), و لقادتهم(الفرنسيين) و لصفاتهم العسكرية الجد فرنسية ؛ التي كانت في الوقت نفسه صلبة و لامعة؛ كانوا قد استحوذوا في الجيش على مكانة واسعة جدا بحيث جعلت فكرة التخلي عنهم و حلهم تصبح مستحيلة.
المصدر : صفحة 45 من كتاب :
Laurencin, Paul. Nos zouaves. Historique, organisations, faits d’armes, régiments, vie intime. 1888.
جيش الزوافا الزواوي ومقاومة أولاد سيدي الشيخ بالغرب الجزائري
———————————————————————-
عندما دخلت “قبائل بنو هلال العدنانية” , أحفاذ” سيدنا إسماعيل عليه السلام ” , وحلفائهم من باقي القبائل العربية إلى شمال أفريقيا ، كان من ضمن زعمائهم “الشيخ سيدي معمر أبو العالية ” , الذي ينتسب إلى الصحابي الجليل “سيدنا أبو بكر الصديق” رضي الله عنه ، لعب سيدي “معمر ابوالعالية” دورا حاسما في نشر المذهب المالكي, في الجنوب الوهراني الذي كان يعرف انتشارا لمذاهب الخوارج ، واستقر أبو العالية برباوات و اتخذها دارا ومقاما، وانتشرت ذريته من بعده في تلك الربوع ،و كان من أعيانهم “سيدي سليمان بن ابي سماحة” , الذي كان طالب علم بـ الأندلس ، و عاد مع المسلمين المتخرجين منها في نكبتها المشهورة ، استقر “سليمان بن ابي سماحة” بنواحي فجيج ( حدود الجزائرية المغربية ) ، و هو الذي بعلمه و كرمه و شجاعته صنع مجدالبكريين(نسبة لذرية أبو بكر الصديق ) بالجنوب الجزائري، أخذ التصوف عن الشيخ “سيدي أحمد بن يوسف الملياني” , و كان من المقربين منه ، و لما ظهر حفيده “عبد القادر بن محمد السماحي” المعروف بـ “سيدي الشيخ” ازدادت شهرة البكريين، فقد عُرف السماحي بجهاده ضد الاسبان ، و بآثاره العلمية ، و من هذا الشيخ انحدرت عشائر كثيرة يطلق عليها ” أولاد سيدي الشيخ” , وهم اليوم قبيلتيني أساسيتين ( الشراقة والغرابة ) ، وكانت قبائل الجنوب المغربي و الغرب الجزائري ( كالشعانبة وأولاد جرير, وذوي منيع والحميان وغيرهم ), تربطهم بقبيلة أولاد سيدي الشيخ وشيوخها روابط الانتماء إلى الطريقة الشيخية ( الزاوية التي أسسها جدهم ) ، و لما اعلن اولاد سيدي الشيخ الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي لبت هذه القبائل النداء و تسارعت إلى المقاومة أفرادا و جماعات.
بعد احتلال الشمال الجزائري من طرف القوات الفرنسية الغازية وأحلافها الزواف ، و عند وصول هذه القوات إلى مشارف الجنوب الجزائري، و في أثناء ظهور بوادر انتهاء المقاومة , التي كان يقودها “الأمير عبد القادر بن محي الدين” ، ظهرت حركة مقاومة جديدة لقبيلة أولاد سيدي الشيخ (البيض) , للمد الاستعماري الفرنسي الزوافي ، في أول معركة بالمكان المسمى “الشريعة” بنواحي البَيَض، بقيادة الأمير “الشيخ بن الطيب” زعيم قبيلة أولاد سيدي الشيخ الغرابة في 2 ماي 1845م , فتوقف التمدد الزوافي بسبب استدعائه لإخماد ثورة الأمراء الرحمانيين في جرجرة, ليُستأنف الغزو من جديد بالهجوم على مدينة “البيض” مركز قبائل أولاد سيدي الشيخ و التي سقطت في 1864 ، ثما ما لبثت وعادت مقاومة أمراء قبائل أولاد سيدي الشيخ العربية من جديد, غير أن المستعمر نجح في جلب جيش الزواف من جرجرة , واستوطنهم “ناحية فرندة بتيارت” , وزج بهم في حربه ضد عرب أولاد سيدي الشيخ وحلفائهم, من باقي قبائل المنطقة ( كالحميان والشعانبة, وغيرهم ) وبدعمه المادي الكبير كانت لهم الغلبة بعد حصار دام 4 سنوات , كانت نتيجته هلاك 800 ألف شخص بين سنتي 1864 و 1869 بالمجــــــاعة , وهو ما يمثل حسب المصادر الفرنسية 43 بالمئة من سكان المنطقة, وكل هذا بفضل خدمات الزواف الذين استقدمتهم فرنسا من قبيلة زواوا بمنطقة القبائل, واحتلت بهم الجزائر غير أن أولاد سيدي الشيخ واصلوا معارك الكر والفر حتى سنة 1902 تحد قيادات جديدة مختلفة من أبرزها الأمير الشيخ بوعمامة !
هل إقتصرت مهمة هذا الجيش الزوافي خارج منطقته الأصلية ( جبال جرجرة ) فقط ؟
أم ساعد أيضا في في قمع ثورات الزوايا الرحمانية بمنطقة قبايل ، جبال جرجرة ؟
وبينما عاد جيش الزوافا مجددا للغرب الجزائري, وأوكلت له مهمة نهب غنائم دولة الأمير المتهاوية, وتثبيت أركان الحكم الفرنسي في ربوعها ومعاقبة القبائل المشاركة في الثورة, كانت الجيوش الفرنسية تغزو قلاع شرق العاصمة, وما إن وصلوا إلى ناحية “سيدي سليمان” , حتى اعترضهم “مقاومة الرحمانيين” وهم أمراء من “بني العباس المقرانيين” , ورثة الحماديين الأشراف الأدارسة , من نسل “الحسن إبن علي ابن أبي طالب الهاشمي القرشي العربي” (مقران لفظ تعظيم بربري يعني السلطان عظيم الشأن).
حاولت الزوايا الرحمانية تحريض بقية القبايل ضد هذا الجيش الزوافي, من الخونة وإستطاعت فعلا بسبب نفوذها في جبال جرجرة, من إشعال العديد من الثورات لكن جيش الزواف ( هم أيضا قبايل ) إستطاع القضاء على معظم تلك الثورات , بسبب مساندة فرنسا لهم بالعدة والسلاح ، ومن أشهر تلك الثورات المحلية داخل جبال جرجرة نذكر :
كان الأمير محمد الأمجد بن عبد المالك الشريف الادريسي ، المدعو “الشريف بوبغلة” أول من واجه الجيش الفرنسي في سور الغزلان (البويرة) سنة 1849, ولما هزموه لجأ إلى أبناء عمه الرحمانيين في أعالي جرجرة فاحتضن أمراء بني العباس والقبائل البربرية الكبرى التابعة لنفوذهم, (المتدينين بالطريقة -الزاوية- الرحمانية ) وأعلنوا جهاد الدفع ضد الفرنسيين والخونة من أبناء المنطقة , “جيش الزوافا ” وكانت أول مواجه لهم معهم في “عين الحمام سنة 1851” , أين قاد “الشريف بوبغلة” وأبناء عمه أحمد , الرجال بينما قادت “الشريفة الرحمانية ” “فاطمة بنت سيدي أحمد الرحماني” , المدعوة “لالة فاطمة نسومر” (سومر إسم القرية التي تقيم فيها) في جيش قوامه 7000 جندي, تمكنوا خلالها من إلحاق هزيمة منكرة بالعدو.
فهم الجيش الفرنسي أن وعورة وجهله بتضاريس جرجرة الموحشة, هي سبب هزيمته فعاد واستدعى باقي جيشه الاحتياطي من أهل البلد, جيش الزوافا الزواوي وحشدهم كلهم في المنطقة وأوكل له مهمة القضاء على ثورات الزوايا الرحمانية ، باعتبارهم أدرى بشعاب المنطقة لكونهم من ابنائها (قبيلة زواوة قبايلية ) , وأعادهم من مهمة قمع الثورة في الغرب إلى قمع “ثورة الشرفاء الرحمانيين “وأحلافهم البربر في بلاد القبائل, فتواجه الجيشان مرة ثانية وكان “الجنيرال يوسف” قائدا على جيش الزوافا, في المنطقة بينما قاد زوج الشريفة الرحمانية “لالا فاطمة” , ” الأمير يحي بويخلف” رفقة الأمير “الشريف بوحمارة ” , جيش المسلمين وبعد حصار طويل وكر وفر انتصر جيش الزوافا الزواوي, المحالف للفرنسيين على جيش “شرفاء الزوايا الرحمانية ” , وأفناهم عن بكرة أبيهم , ودخلوا جرجرة عنوة وأنتقموا من أهلها شر إنتقام وقتلوا جميع رجالها حتى لم يبق في جرجرة غير النساء, فقاتلوهم بالرصاص في “نايت عنسو” , وقتلوا منهن خلقا كثيرا وسبو خلقا أعظم , وأسروا “الشريفة الرحمانية لالا فاطمة” , بعدما دخل “الجنيرال يوسف” إلى ملجئها في الجبال , من ناحية “أقمون إيزم بالأربعاء “وسلمها سنة 1857 إلى “الجنيرال الفرنسي روندون” , الذي أسرها في زاوية تابلاط حتى ماتت … وخضعت بلاد القبائل لحكم الفرنسيين بفضل خدمات جيش الزواف ( القبايليين هم أيضا ), كما خضعت بلاد الغرب الجزائري وبلاد الوسط من قبلها …
طالع ايضا : قبيلة الزواوة و جذورها الأوروبية .
جيش الزوافا الزواوي ومقاومة المقراني
—————————————–
بعد استيلائهم على جبال الشريعة (البليدة), ومليانة والونشريس وإخمادهم ثورة “الأمير عبد القادر” في جبال الظهرة, وثورة الأمراء الرحمانيين في جبال جرجرة , وأولاد سيدي الشيخ في البيض, وبسط نفوذ الجيش الفرنسي على كامل منطقة الوسط والغرب, توجه جيش الزوافا الزواوي مع أواخر سنة 1869إلى جبال الحضنة, في منطقة” مجانة” قاصدين “قلعة بني العباس” , بعد ظهور بوادر العصيان والرغبة في الإنتقام في سلوك “الأمير محمد بن أحمد المقراني” , أحد ملوك بني العباس الخراشفة, أبناء “الحسن بن على بن أبي طالب ” , وأخوه “الأمير أبو مرزاق المقراني” , وابن عمه “أبو زيد المقراني “وأبن عمه الأخر “الشيخ الأمير محمد بن علي الحداد المنصوري الرحماني”.
على خلفية المجازر التي ارتكبها الزواف في منطقة جرجرة , والمجاعة التي أتت على نصف سكان الغرب الجزائري , ومع بداية أفريل 1871, أعلن جيش المسلمين بقيادة المقراني الحرب على فرنسا , وبسط نفوذه على مدينة “برج بوعريريج “, وبينما أشعل “الحداد منطقة صدوق “بالقرب من بجاية (المنصورة سابقا ) , توجه جيش الزوافا الزواوي بعد أن سلم منطقة البيض للجيش الفرنسي, إلى قمع ثورة المقرانيين في “مجانة وبجاية” , بحكم أنهم أدرى بالمنطقة من غيرهم ( أهل مكة أدرى بشعابها ) , وما إن وصل إلى “مدينة صدوق” حتى أسقطها عنوه , بعد أن قتل من ثار من أهلها خمسين ألفا , واسر أميرها “الشيخ الحداد ” , وسلمه للجنيرال “لالمان” في 24 جوان 1871, الذي سجنه في “بارال “في بيجاية أين مات بعد عام من الأسر, بينما واصل الأمراء المقرانيين الصمود في وجه الزوافا, بدون قائدهم “الأمير محمد المقراني” , الذي استشهد بطعنة من أحد خدمه في ماي 1871 , ودفن بنفس القلعة وأخمد جيش الزوافا ثورة المقراني في بجاية.
المصدر : الدكتور عمار بوحوش / التاريخ السياسي للجزائر ص 147
“جيش الزوافا الزواوي في سطيف”
الزواف و قمع ثورة الزعاطشة بالجنوب الجزائري :
ولم تكن الصحراء الجزائرية إستثناءا فقد طالتها يد الاجرام ( الزوافي ) خدمة للمستعمر ، فأرسلت فرنسا قواتها العسكرية تتقدمها قوات من الزواف , لقمع “ثورة واحة الزعاطشة بالصحراء “، وكانت آثار هذه القوات كارثية ، حيث قامت بإبادة جماعية لأهل هذه الواحة ، وفي هذا الخصوص ، يتحدث المؤرخان (روبرت فوهر وباسكال توراس ) عن الدور الكبير الذي قام به الزوافا في اخماد ثورة الزعاطشة , في الصحراء الجزائرية والقضاء على أهل تلك الواحة حينما كتبا :
La reddition d’Abd el-Kader en décembre 1847 ne marqua pas la fin de la résistance à l’occupation française en Algérie. Pour achever la conquête, il restait à soumettre la Kabylie et le Sud algérien. Les oasis tombèrent successivement aux mains des Français, parfois après de durs combats : Zaatcha en 1849, Laghouat en 1852, Touggourt en 1854. Dès 1830, l’armée française avait obtenu le soutien d’importants contingents indigènes : ainsi les zouaves, corps d’infanterie, recrutaient des Kabyles. Sorti de Saint-Cyr, François-Certain Canrobert (Saint-Céré, 1809-Paris, 1895) devait apporter son soutien au prince-président Louis Napoléon Bonaparte, dont il était l’aide de camp, lors du coup d’Etat du 2 décembre 1851. Il fut promu maréchal de France après la guerre de Crimée (1854-1855). Sous la IIIe République, il fut l’un des chefs du parti bonapartiste.Auteur : Robert FOHR et Pascal TORRÈSSource : http://www.histoire-image.org/pleincadre/index.php?i=259
Prise d’assaut de Zaatcha par le colonel Canrobert, le 26 novembre 1849.
Jean-Adolphe BEAUCE
وحول جرائم الزواف في حق أهالي “واحة الزعاطشة” في الجنوب الجزائري يقول الأستاذ عميراوي حميدة :
” انتهت مقاومة الزعاطشة بخسائر هامة , بالنظر إلى أنه تم قطع أزيد من “10 آلاف نخلة” ورميها في الخندق , للمرور عليها كجسر ، واستعملت أبشع أنواع العذاب , ومورست كل أصناف العنف و الإرهاب و الإجرام, التي يندى لها جبين الانسانية ، منها قطع رؤوس البشرية وتعليقها على الأبواب ، حيث يذكر المؤرخ الفرنسي ” بوديكور” : “أن الجنود الزواف انقضوا على الذين لم يسعفهم الحظ للهروب ، و رأى جندي يكاد يقطع ثدي امرأة, وهي لا تطالب سوى الإجهاز عليها لتتخلص من هذا العذاب ، وجندي آخر أخذ طفل صغير من رجله وضرب رأسه على الحائط ليهشمه ،وغيرها من الأحداث الشنيعة التي لا يمكن وصفها ” !
عميراوي احميدة ، السياسة الفرنسية بالصحراء الجزائرية ،دار الهدى، الجزائر، 2009 ص 42.
الزوافا و احتلال مدينة قسنطينة
———————————
وبعد جرائهم البشعة ضد سكان الغرب , والجنوب الجزائري ومساهمتهم في احتلاله مع جيوش الفرنسيين ، كان دور الشرق الجزائري ليذوق طعم الخيانة من القريب ، وبالتحديد مدينة “قسنطينة” التي ساهم الزواف في استعمارها ، يذكر المؤرخ الفرنسي صاحب كتاب تاريخ الجزائر في صفحة 25 : الدور الكبير الذي لعبته كتائب الزوافا رفقة كتائب الاحتلال, في اسقاط دفاعات مدينة قسنطينة , ودحر سلطة ومقاومة حاكمها العثماني “الشيخ أحمد باي” , الذي ضل لأزيد من عشرية كاملة ثائرا ضد فرنسا .
Renard, Abel (Charles Abel). Histoire de l’Algérie 1910 page 25
“les zouaves à constantine , الزواف في قسنطينة بعد مشاركتهم في احتلالها”
كانت فرنسا عندما تحتل مدينة جديدة, أول ما تنشئه فيها بالاضافة لمقرات جنودها هي ( مقرات عسكرية خاصة بكتائب الزواف ) ،
فنجد صور تاريخية كثيرة لمقرات الزواف , في مدينة باتنة وسطيف وقسنطينة والعاصمة , والمدية وموزاية ومستغانم ووهران وغيرها من المناطق التي ساهم الزواف في تدمير ثورات اهلها , وتسليمها للمحتل الفرنسي ، وكان هذا الاخير يقوم بتوطينهم فيها , كتكريم لهم ولجعلهم آذانه التي يتجسس بها على أهالي تلك المناطق المقموعة .
“كتائب الزواف في باتنة ”
“كتائب الزواف في باتنة ”
“الزواف في باتنة ”
”
Site webmaster, Web developer, Seo specialist. You can contact me using links below